الخاطرة ٢٥-٢٦

حاولت في هذه الخواطر تسليط الضوء على جوانب للعمق العلاجي لسورتي الفاتحة والبقرة. وأعني بذلك الأبعاد العلاجية للعلاقة بين الرب وعبده والتي تعين العبد على مواجهة تقلبات القلب والنفس.
وبينما سورة الفاتحة تمثل اعترافا بريوبية الخالق وتصريحا بعبودية المخلوق وتوضيحا لإطار هذه العلاقة، وطلبا للمدد الإلهي، يأتي الرد في سورة البقرة بتقديم منهجية الهداية وعلم نفس العبودية.
فتبدأ سورة البقرة بشروط العبودية وتحدياتها النفسية التي قد تعكر علاقة العبد بربه. ثم تنتقل إلى آفات الدفاعات النفسية التي تبعد المخلوق عن خالقه على الصعيدين الداخلي النفسي والخارجي العلاقاتي. وتزودنا السورة بالجرعات الإيمانيّة الضرورية التي تعزز المناعة النفسية للإنسان بدءا من أعمدة الدين الخمسة. كما يوضح لنا الله عز وجل أن حقيقة إيمانياتنا وكيف تنعكس خارجيا على أسلوبنا في التعامل مع الآخرين في كل مجالات الحياة من عمل وحياة زوجية وحرب وسلام وتجارة.
وفي كل موضوع جديد يتم التأكيد على أن الصحة النفسية وشفاء الصدور مرطبتان بعبودية المرء لربه.
وبما أننا في شهر رمضان الفضيل، فلنتدبر قليلا أهمية القرآن وعلاقته بالصوم في ما يخص النفس والقلب، خاصة عند التفكر في سورة القدر التي تتحدث عن الليلة التي أنزل فيها القرآن ونربطها بسورة البقرة:
1. إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
2. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ
3. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ
4. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ
5. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ
فإذا ربطناها بآيات الصيام في سورة البقرة
183-يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
184-أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
185-شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
186-وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
إذا نظرنا إلى آيات الصيام التي يخبرنا فيها الله أنه قريب من عباده، ويخبرنا فيها عن فضل القرآن في رمضان، تتجلى لنا في الصيام عملية تربوية تقربنا إلى الله زلفى بترك ما هو حلال من أجله والتجرد من ضروريات الحياة الإنسانية لتلقي روحانيات الإيمان وتعزيز صلتنا بالله عز وجل. وتينع ثمرات هذا الشهر في خواتيمه حين نبلغ ليالي القدر. أي أن هذه الخلوة مع الله وهذا التهذيب للنفس الذي يدفع النفس إلى تحري دواخلها إنما هو عملية نقوم بها في شهر رمضان لإعداد النفس لتلقي الهداية من الله.
لذا فرمضان الذي هو شهر القرآن، ليس مجرد الشهر الذي أنزل فيه القرآن بل هو الشهر الذي نستمر فيه في تلقي الهداية.
إنها استمرارية الوحي بتلقي الفتوحات الربانية من معان قرآنية وصلة ربانية. أي أن الصيام فيه عملية علاجية بخوض تجربة فعلية تطهر القلب وتفكك الدفاعات النفسية وتروض الشهوات، ليشدو البعد الروحي للإنسان.
فكيف يحقق الصيام ذلك؟
Leave a comment