الخاطرة ٢٧- ٢٨

كتب الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين أن الصوم ٣ درجات:
صوم العموم: وهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة. وهو أدنى درجات الصوم.
صوم الخصوص: هو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام.
صوم خصوص الخصوص: صوم القلب عن الهضم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية، ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين، فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا.
فإن فكرنا في هذه الدرجات من زاوية التحليل الديناميكي، نعتبر أن منها درجة نرتقي إليها كلما ارتقينا في تعلقنا بالله، فمن اتصل وصل. فصوم العموم صوم تسوده العادة والسلوك الآلي اللاواعي الذي صبح عادة أكثر مما هو عبادة. فلا ترتوي منه النفس ولا ترتقي روحيا. فالشخص لا يشعر إلا بالعناء الجسدي ولا يحصد نمو العمق الروحي.
أما صوم الخصوص، ففيه بداية يقظة القلب وانبعاثه من غفلته ليفهم نفسه ضمن إطار علاقاتي يعكس قربه من الله بقدر حسن تعامله مع الآخرين. هنا تتبلور أبعاد الصوم النفسية وأثرها على المجتمع.
أما صوم خصوص الخصوص فهو صوم العارفين بالله الذين لا يغفلون عن ذكر الله في كل حين بأقوالهم وأفعالهم.
وفي كل عشر من رمضان فرصة للارتقاء من درجة إلى الدرجة التي تليها حتى نصل في العشر الأواخر بتوفيق من الله إلى صوم خصوص الخصوص الذين لا يشغلهم عن الله شاغل.
هذه العملية النفسية لتحصيل الارتقاء والنمو الروحي أساسها النفي:
نفي الشهوات التي فيها بقاؤنا من الفجر إلى المغرب.
أما النفي الأهم والذي لم يخطر ببالي من قبل فهو نفي الشبه.
كتب العالم والمتصوف الكبير ابن عربي أن نفي الشبهة بالله هو جانب مهم من جوانب الصوم. فنفي أي شبه بيننا وبين الله عز وجل جانب مهم من جوانب الصوم. فنحن نتوقف عن الأكل والشرب والجماع (وهي أساسيات بقاء النوع) من الفجر إلى المغرب لنفهم بطريقة عملية استحالة تشبهنا بالله الصمد الواحد الأحد. ففي الصوم دعوة للتفكر فالله الذي لا حاجة له ولا شريك له وفي أنفسنا الضعيفة التي تفرح في نهاية اليوم عندما يحين موعد الإفطار لتعود إلى طبيعتها البشرية وتشبع حاجاتها.
وهذه الفكرة في الاختلاف وثنائية الخالق والمخلوق أساسية في التحليل النفسي وإقامة علاقات سوية فلا ارتباط حقيقي إلا بانفصال معنوي وهذا يعني دينيا معرفة منزلة الخالق ومسألة المخلوق.
Leave a comment