
الخاطرة # ٧
قصة خلق سيدنا آدم عليه السلام قصة محورية لها بعد رمزي في فهم تطور التركيبة النفسية للإنسان.
إذ تنطوي على أغوار وأبعاد تغطي نظريات التحليل النفسي المطروحة في هذا المجال. وآمل أن أستطيع طرحها بشكل مبسط وواضح.
فإذا تمعنا في هذه الآيات
٣٠- وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٣١- وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٣٢- قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
٣٣- قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ
في هذه الآيات يخبر الله عز وجل الملائكة أنه سيجعل في الأرض خليفة فتبدي الملائكة استنكارها لتلك المخلوقات فيؤكد الله أنه أعلم بخلقه ويعلم آدم الأسماء كلها.
تحمل هذه الآيات في طياتها أسس منظورين نفسيين. أحدهما على المستوى الفردي والآخر على المستوى المؤسسي.
على المستوى الفردي، تشير الملائكة إلى النزعة الإنسانية للشر وهو ما يعرف في علم التحليل النفسي بحافز الموت فيطمئن الله سبحانه وتعالى الملائكة لمعرفته بقدرة الإنسان على التعلم التي تشير إلى حبه للمعرفة ونزعته للحياة وهذا ما يعرف في التحليل النفسي بحافز الحياة
وربما يذكرنا بالآية ونفس وما زكاها فألهمها فجورها وتقواها.
اقترح فرويد في نظريته عن العقل أننا مسيرون من قبل محركات تولد فينا إحساسا بالحاجة. هذه الحاجة تدفع الأنا للعمل لخفض حدة الضغط النفسي عليه وتلبية الحاجة الملحة، على سبيل المثال يأكل الجائع ليسد رمقه، ويشرب العطشان ليروي ظمأه. وقال فرويد إن حافز الحياة هو القوة المضادة لغرائز التدمير الذاتي التي تعرف بحافز الموت.
فنرى أنه في الآيات السابقة إشارة للحافزين. قدرة الإنسان على الحب والكراهية. وفيها أيضا طمأنة ضمنية بأن الله أعلم أي الكفتين سترجح في النهاية ولماذا.
ويرتبط حافز الحياة ارتباطا وثيقا بالمسؤولية وارتباطها بعلاقتنا بالله وبعملية التعلم. فنجاحنا في مهمتنا على الأرض مرتبط بما علمه الله لنا.
الخاطرة # ٨
كما جاء في الخاطرة السابقة فإن حافز الحياة مرتبط بالمسؤولية والارتباط بالله وطلب العلم. وعملية العلم والتعلم والتعليم تستحق وقفة تأملية. فما علاقتنا بهذه القصة وكيف تشملنا وكيف ينتقل إلينا ما علمه الله سبحانه وتعالى لآدم عليه السلام؟
جاك بانكسيب عالم أعصاب وعالم نفس أحيائي، وضع مصطلح “علم الأعصاب الانفعالي”، وهو اسم المجال الذي يدرس الآليات العصبية للانفعالات أو العواطف. وقد حدد “نظام البحث” الذي يحفز الحيوانات والثدييات على التفاعل مع محيطها الخارجي. ربما من وجهة نظر علم التحليل النفسي، يوازي هذا المفهوم مفهوم حافز الفضول. حاجتنا للتفاعل مع محيطنا الخارجي للبقاء ينجم عنها منتج ثانوي وهو التعلم. (سولمز، ٢.٢٣)
بيد أن الإسلام يتخذ موقفا مغايرا بعض الشيء، فهو يؤكد أن غاية وجودنا هي للبحث عن الله ومعرفته من خلال آياته. أي أن التعلم ليس منتجا ثانويا لتفاعل الغرائز مع محيطها وإنما تصميم ذكي خاص بالبشر، أساسه الإرادة الحرة. إنه هدف وماهية وجودنا.
حتى أن عالم التحليل النفسي وأخصائي علم نفس الأعصاب مارك سولمز، أشار في كتابه “النبع الخفي” أن عملية الوعي محيّرة للغاية من الناحية العلمية لأنها ليست ضرورية لبقائنا (أي تتعارض مع نظرية الاصطفاء الطبيعي). وربما يدل ذلك على مقصد أسمى لوجودنا.
لذا فإن قدرتنا على التعلم التي تشير إليها هذه الآيات أعلاه، تشير إلى قدرتنا على فهم محيطنا ومعرفة قوانينه، وهي قدرة وضعها الله في حمضها النووي وربما يقودنا إلى ذلك يوما ما علم التخلق فيكون بذلك هذا العلم الذي علمنا إياه ربنا تبارك وتعالى علم متوارث كما يستخلف بعضنا بعضا وينتقل جيلا بعد جيل من أبينا آدم إلينا.
يتبع…
الخاطرة التالية
الخاطرة السابقة
Reflection # 7
https://psychobableblog.wordpress.com/2023/03/29/ramadan-reflections-7/
Reflection # 8
https://psychobableblog.wordpress.com/2023/03/30/ramadan-reflections-8/
Leave a reply to قراءة تحليلية لمبادىء الصحة النفسية في القرآن- (٥/٦) | Psychobabel, Islamic insight Cancel reply