
الخاطرة ٩
نرى في الآيات التالية كيف يتم تفعيل حافز البحث الذي ذكرته في الخاطرة السابقة. فحتى الآن يعيش آدم وحواء في حالة من السمو تلبى فيها احتياجاتهما دون تجربة عناء أو خيبة أمل. وتكمن أهمية العناء أو الخيبة في كونها تولد فكرا وتنجم عنها تجربة تعليمية. وبما أنهما أصبحا مكلفين بالاستخلاف في الأرض فعليهما أن يخوضا تجربة جديد ككائنات مجسدة ومرتبطة بمكان عليها التفاعل معه.
كما يتم تعريفنا بعدو البشرية وهو إبليس. فيصبح للقصة أبعاد ثلاثة،
بعد العلاقة العمودية بين الله سبحانه وتعالى وخلقه
بعد العلاقة الأفقية بين الخلائق
وبعد ثالث يعبر عن معالجة المواقف الدنيوية من خلال تقوى الله.
ولكي نفهم هذه الابعاد يجب أن نتعرف إلى بعض مصطلحات التحليل النفسي منها:
التحويل أو النقلة transference
النرجسية Narcissism
موضوع object
علاقة بالموضوع: object relation.
إسقاط: projection
التماهي identification
والتحويل آلية دفاعية و عمليّة نفسيّة تكون نتيجة لآلية أساسية وهي الإسقاط. وهذه الآلية تحدث في اللاوعي. , والاسقاط هو تظاهر أو خروج لهذا الوجود اللاواعي . فحسب فرويد هو نتاج لرغبة غير مقبولة أثناء مراحل الطفولة الأولى وتكون تجاه أحد الأشخاص المقربين جدا من العميل ثم ينتقل هذا الشعور إلى المعالج و هذا بحسب قدرته و إمكاناته . أما التحول أوالنقلة فهو إسقاط شعور من اللاوعي يخص كائنا أو موضوعا داخليا على شخص آخر. كأن ترى في معالجك النفسي شخصية والدك فتكون ردود فعلك تجاهه ناجمة عن الإسقاط لا عن حقيقة هذه العلاقة المهنية.
وقصة الخلق تشير إلى تيارين تحويليين أحدهما عصابي والآخر نرجسي.
والعصاب اضطراب نفسي ينجم من تضافر عدة عوامل على رأسها صراعات لا شعورية تبدو في صورة أعراض جسمية ونفسية ومنها القلق والوساوس والأفكار المتسلطة والمخاوف الشاذة، فتعيق الفرد عن ممارسة حياته السوية في المجتمع الذي يعيش فيه.
بينما النرجسية حالة من العلاقات بالموضوع، يشعر الفرد فيها أن أجزاءً من نفسه هي الموضوع.
وفي هذه الآيات يمثل إبليس التيار النرجسي المدمر. فحقده على سيدنا آدم وإحساسه أنه فقد مرتبته المميزة عند الله وملائكته قادته إلى الإقدام على عمل مدمر، وهو الابتعاد عن الله.
وهذه القصة ترمز إلى حالة نفسية تعتري أي إنسان يعتدّ بنفسه “أنا خير منه”، وتكشف أيضا عن أصل هذه النرجسية وهي جرح نرجسي (فقدان منزلة الطفل المدلل) فتكون ردة الفعل الدفاعية لمداواة الجرح النرجسي هي الكبر.
الملفت أن كلمة إبليس مشتقة من فعل بلس ومعناها اليأس من رحمة الله. أي يندرج تحت مسمى إبليس الداء الذي يودي بالمرء إلى الخروج من رحمة الله وهو النرجسية وأعراضها الكبر والاعتقاد بقدرة المرء المطلقة.
٣٤- وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
٣٥- وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ
٣٦- فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ
٣٧- فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
٣٨- قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
الخاطرة التالية
الخاطرة السابقة
الخاطرة التي نشرت بالانكليزية
Leave a reply to قراءة تحليلية لمبادىء الصحة النفسية في القرآن (١٠) | Islamic Perspectives, Psychoanalytic Understanding Cancel reply