
تحدثت في ما سبق عن العلاقات النفسية الداخلية التي يتم استدخالها والتي تنتج عنها مسارات عصبية بحسب فهم الإنسان لعالمه الخارجي.
ويقابل هذا العالم، عالم آخر من العلاقات البينية.
تنظر دراسات علم التحليل النفسي للمجموعات والمؤسسات إلى كيفية تواجد الفرد ضمن المجموعة والمؤسسة وكيفية تفاعله في هذين الوسطين وكيف تتعامل على صعيد اللاوعي لتفادي القلق الناجم عن المهمة التي كلفت بأدائها وتسمى المهمة الأولية.
عندما تسبب المهمة الأولية القلق بين الموظفين ينتظمون في مجموعات بحسب تفسيرهم لما يحدث من حولهم. وتسمى هذه مجموعات الافتراض الأساسي. (ويلفريد بييون)
إن لم توفر المؤسسة سبلا لعلاج هذا القلق قد يؤدي ذلك إلى جمود أو احتراق وظيفي.
إذا أعدنا قراءة الآيات السابقة، ونظرنا إليها من منظور مؤسسي، نرى أن الله عز وجل بصدد وضع مجموعة مكلفة على الأرض، مكلفة بالاستخلاف (يخلف بعضهم بعضا) وبعبادته وباتباع سنة الله. بينما ترى الملائكة خطورة مثل هذه المجموعة إذا انتظمت بحسب مبادىء مجموعات الافتراض الأساسي، إذ ستميل إلى الظلم وإراقة الدماء.
٣٠- وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٣١- وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٣٢- قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
٣٣- قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ
٣٤- وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
٣٥- وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ
٣٦- فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ
٣٧- فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
٣٨- قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
تعبر تجربة سيدنا آدم وأمنا حواء عن تجربة المجموعة عند وقوعها في الخطأ. عليهما علاج القلق الناجم عن إدراكهما أنهما أخطآ بحق الله سبحانه وتعالى بسبب إغواء عدو لهما (الشيطان) واعتدائهما على حدود الله. فتتم محاسبتهما.
وبحسب فيليب ستوكووييه في كتابه “حافز الفضول”، فإنه من خلال نظام المحاسبة في المؤسسة السليمة تتمكن المجموعة من رفع مصادر قلقها إلى الجهات العليا. أي أنه عندما ينتاب الفرد القلق والخوف عليه بالإنابة فإذا ارتفعت المخاوف تنزلت الطمأنينة وتشكل نظام دوراني (كالدورة الدموية). في هذا النظام يتم التكليف نحو الأدنى ويرفع القلق أو الجزع نحو الأعلى. وهذا التدفق الصحي يضمن صلاح وسلامة هذه المؤسسة اليافعة.
فكيف تنطبق هذه النظرية علينا في حياتنا العملية؟
يتبع…
مصطلحات:
استدخال internalise
العلاقات البينية interpersonal relations
العلاقات النفسية الداخلية Intrapsychic relation
مجموعات الافتراض الأساسي basic assumption groups
الخاطرة ١٢
تحدثت في الخاطرة السابقة عن البعد المؤسسي للآيات والنظام الدوراني الذي يمهد للمسار الصحي للمؤسسة الاجتماعية.
بينما يتنزل التكليف تُرفع الشكوى وتعالج لكي يستمر المرء في أداء مهمته. ونجد في مخاطبة بني اسرائيل في الآيات التالية مثالا لهذه الحركة الدورانية. فتفصًّل الآيات الدفاعات النفسية التي تهدف إلى إنكار الحقيقة أو تجاهلها أو تشويهها أو المراوغة أو الوهم.
والأهم من ذلك أنها تذكر النظام الداخلي المضاد لهذه الدفاعات وهو تقوى الله وإقامة الصلاة.
٣٨. قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٣٩. وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٤٠. يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
٤١. وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ
٤٢. وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ
٤٢. وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ
٤٤. أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٤٥. وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ
٤٦. الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
٤٧. يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ
٤٨. وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَر
الخاطرة التالية
الخاطرة السابقة
Leave a reply to قراءة تحليلية لمبادىء الصحة النفسية في القرآن (١٣) | Islamic Perspectives, Psychoanalytic Understanding Cancel reply