
الخاطرة ١٤
ذكرت في الخاطرة السابقة محورين هما اتخاذ العقل موضوعا وثبات الموضوع. وشرحت المحور الأول.
وسأحاول في هذه الخاطرة توضيح المحور الثاني وهو ثبات الموضوع وعلاقته بالإيمان بالله من خلال الطرح القرآني في هذه الآيات من سورة البقرة:
٤٩- وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ
٥٠- وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ
٥١- وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ
٥٢- ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٥٣- وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
٥٤- وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
٥٥- وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ
٥٦- ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٥٧- وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
٥٨- وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ
٥٩- فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
تفصّل هذه الآيات مطالبة بني إسرائيل نبيهم بالدليل تلو الآخر عن وجود الله ثم كفرهم بهذه الأدلة بعد الحصول عليها. وهذا التخبط الانفعالي وعدم القدرة على استذكار الله وتقواه في كل وقت جعلني أفكر في مبدأ ثبات الموضوع.
بحسب نظرية العلاقات الموضوعية، التي تحاول توضيح التطور النفسي للطفل، فأن قدرة الطفل على تشكيل ارتباط مستقل نسبيا عن مشاعر الإشباع والإحباط, قائم على قدرة معرفية تستوعب أن الأم موجودة حتى وإن غابت عن الأنظار ، وأن لها صفات إيجابية حتى وإن لم تشبع احتياجاتنا تعرف بثبات الموضوع. ويصبح الطفل بذلك مطمئنا للأم ومرتبطا بها لا بقدرتها على تخفيف توتره. هكذا تتحقق استمرارية موضوع الأم في داخل الطفل ولا تقتصر على الظهور فقط عند الإحساس بالحاجة. وهذا الاستثمار في موضوع لبيدي يدل على نضوج معرفي يدرك فيه الطفل أن الناس ليسوا قابلين للتبديل ويثبت الموضوع في النفس.
فلفت هذا التعريف انتباهي إلى أن القرآن زاخر بالآيات التي تدعون لنتذكر علاقتنا وارتباطنا بالله عز وجل. وكانت هذه الآيات تحيرني فكيف لي أن أتذكر الله هل كنت أعرفه قبل أن أعرف نفسي؟ فكانت الإجابة أن على أن أعرف نفسي لأعرفه. وفي قصة الحمل والولادة ومرحلة الطفولة ورعاية الأم عملية شبيه بقصة الخلق تؤهلنا للوصول إلى حقيقة أعمق وهي حاجتنا لمعرفة الموضوع الذي نحن له تيّع. أي بلغة الإسلام معرفة الخالق الذي نحن له عباد.
فإن استبدلنا كلمة أم في التعريف أعلاه بكلمة رب، وكلمة طفل بكلمة إنسان, يتوضح لنا هدفا ساميا لتقوى الله والإيمان به، وهو القدرة على عبادة الله لأنه أهل لذك، وليس فقط لحاجتنا له وتلك عبادة الأحرار.
ومن هنا نفهم لماذا لا يمكن لله إلا ألا تدركه الأنظار، وأن يتجلى لنا من خلال آياته، لإعمال عقولنا والتفكر والعودة إليه والإنابة. فإن بصرنا به ما كان لنا أن ننكره وحرية الإيمان تكمن في هذا البذل الفكري والقلبي لفهم هذه الحقيقة وقدرتنا على الارتباط بهذا الموضوع وتثبيته في نفوسنا وربط النعم التي ننعم بها بالمنعم علينا بها.
وفي هذه الفكرة تركيز على ثنائية الخالق والمخلوق واختلافهما. وربما الإلحاح الذي في الآيات على مزيد من البراهين عن وجود الله يدل على رغبة طفولية في التحكم بالموضوع الذي تم اجتيافه عوضا عن التسليم به.
وفي لغة الإسلام فأن القدرة على الوصول إلى هذه المعرفة مناطها القلب. فكما تضخ عضلة القلب الدم في الجسد يضخ القلب بلفظه المعنوي الروح في أنفسنا من خلال هذه الآليات النفسية التي مقاصدها العليا هي تسهيل معرفة الله. فنجد أن الآية ٧٢ من سورة البقرة تشير إلى أن مشكلة الكفر والاعتداء على حدود الله تكمن في القلوب القاسية.
أي يمكننا التفكير في هذا القلب على أنه يمثل الترابط الروحي والنفسي والجسدي. فماذا نعني بذلك؟
يتبع…
الخاطرة السابقة
English version
https://psychobableblog.wordpress.com/2023/04/05/ramadan-reflections-psychoanalytic-perspectives-6/
Leave a reply to قراءة تحليلية لمبادئ الصحة النفسية في القرآن (١٥) | Islamic Perspectives, Psychoanalytic Understanding Cancel reply